ماذا تعرف عن الثروة السمكية الهائلة في موريتانيا؟

فاجأ الرأي العام التونسي صبيحة الأربعاء 14 جويلية 2021 الجاري، بخبر إرسال دولة موريتانيا لمساعدات طبية عاجلة لتونس، إلى جانب 15 طنا من الأسماك، لينقسم التونسيون بين رافض ومثمّن لهذه الخطوة.

لكن بعيدا عن هذا الجدال، ماذا تعرف عن الثروة السمكية في موريتانيا ودلالات هذه الحركة التي قامت بها السلطات الموريتيانية مع الجانب التونسي؟

ليست المرة الأولى

قد يخفى على كثير من التونسيين، أن هذه المبادرة الإنسانية من السلطات الموريتانية ليست جديدة على الصعيد العربي.

ففي 17 من شهر أوت 2020، أرسلت موريتانيا، طائرتين محملتين بالأسماك كمساعدة إلى لبنان، بعد حادث انفجار مرفأ بيروت، الذي أسفر عن مقتل 200 شخص على الأقل وإصابة مئات الأشخاص.

وأوردت وكالة الأنباء الموريتاية حينها، أن “طائرتان محملتان بـ 12 طنا من السمك غادرتا مطار نواكشوط الدولي “أم التونسي” متوجهتان إلى لبنان لمساعدة الشعب اللبناني بعد حادث الانفجار الأليم ببيروت”.

وأعرب القنصل الشرفي للبنان في موريتانيا، سلامي حسين باسم الشعب اللبناني عن شكره للرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزاواني، وحكومة الوزير الأول محمد ولد بلال على هذه المساعدة القيمة. وفق ما ذكرت الوكالة.

وفي تعليقه على هذه المساعدة الموريتانية إلى لبنان، قال الكاتب اللبناني علي شندب في مقال له على موقع قناة “العربية”: “وقد أرادت موريتانيا من خلال طائرتيها المحملتين بمساعدات مختلفة بينها 13 طنا من الأسماك ذات الجودة العالمية، والتي يزخر بها شاطئ موريتانيا الأطلسي، توجيه رسالة تضامن حقيقية تعبر عن “تقاسم اللقمة” مع الشعب اللبناني المنكوب جرّاء الانفجار الهيروشيمي.”

ويضيف شندب “ولمن لا يعرف، فالشعب الموريتاني متمسك لأبعد الحدود بعادات وتقاليد متأصلة فيه بأبعادها الروحية والإيمانية. والموريتانيون في إطار فعل الخير والمساعدات يتأسّون بما ورد في الحديث النبوي: “ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه”.”

الثروة السمكية في موريتانيا

وعلى امتداد قرابة 800 كيلومتر، تتوفر موريتانيا على أحد أغنى الشواطئ في الأسماك في العالم، غير أن هذا البلد الصحراوي ظل معرضا عن هذا المورد إلى بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي حيث بدأ استغلال الثروة السمكية من طرف الحكومة التي أنشأت آنذاك الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك، وشكل ذلك رافعة مهمة للاقتصاد الذي كان يعتمد فقط على تصدير خامات الحديد، وفقا لموقع سكاي نيوز عربية.

وشهدت موريتانيا في السنوات الأخيرة، طفرة في إنتاج الأسماك حيث ارتفع الإنتاج الوطني ما بين سنتي 2009 و2016 من 90 ألف طن إلى 773 ألف طن سنة، أي بنسبة زيادة قدرها 759%، وذلك بعد توقيع عدة اتفاقيات مع شركاء أجانب في مقدمتهم الاتحاد الأوربي الذي يستورد أكثر من 90 في المئة من صادرات البلاد السمكية، حسب ذات المصدر.

وبحسب بيانات الشركة الموريتانية لتسويق الأسماك، سجّلت صادرات المنتوجات السمكية في العام 2019، ما يزيد قليلا عن 248 ألف طن في العام 2019، بإيرادات بلغت قيمتها 638 مليون دولار أميركي، مقابل 287 ألف طن في العام 2018 وعائدات وصلت إلى 706 ملايين دولار.

ووفقا للمكتب الوطني للإحصاء، فإن قطاع الصيد البحري بموريتانيا يوفر 40 ألف منصب شغل مباشر، ويساهم بنسبة 14.6 في المئة في موارد الميزانية، و40 في المئة من مداخيل العملة الصعبة.

شواطئ غنية

وفقا لوكالة الأناضول، تعتبر شواطئ موريتانيا المطلة على المحيط الأطلسي، على طول 755 كلم، واحدة من أغنى الشواطئ العالمية بالأسماك، والأنواع البحرية الأخرى.

ويصف سكان محليون هذه الثروة السمكية الغنية والمتنوعة بـ”بترول موريتانيا”.

وطالما شكّل قطاع الصيد موردا رئيسيا لإيرادات خزينة الدولة، عبر الاتفاقيات التي تبرمها الحكومة مع عدد من الدول والهيئات، أبرزها الاتحاد الأوروبي واليابان والصين.

وبحسب أرقام لوزارة الصيد، تحوي مياه موريتانيا الإقليمية نحو 300 نوع من الأسماك، بينها 170 نوعا قابلا للتسويق عالميا.

وتعد موريتانيا أكبر مُصدّر عربي للأسماك بنحو 44 بالمئة من إجمالي الصادرات العربية، كما أن نحو 95 بالمئة من مجموع إنتاجها من الأسماك يصدر للاتحاد الأوروبي.

وفي يونيو/حزيران 2020، صنفت المنظمة العالمية للأغذية والزراعة “الفاو” موريتانيا ثاني أكبر بلد إفريقي في إنتاج الأسماك بعد المغرب، وفي المرتبة الـ20 عالميا.

عزوف الموريتانيين عن أكل السمك

وبحسب وكالة الأناضول، فإن كثيرا من الموريتانيين يعزفون عن أكل الأسماك، ويفضلون استهلاك اللحوم الحمراء، رغم أن البلاد تمتلك أغنى شواطئ العالم بأنواع الأسماك وأكثرها جودة، وأسعارها في المتناول داخل الأسواق.

يتركز استهلاك الأسماك بين سكان العاصمة نواكشوط ومدينة نواذيبو الشاطئية، فيما يعزف غالبية سكان الولايات (المحافظات) الأخرى عن أكل الأسماك.

ولمواجهة عزوف السكان عن أكل السمك، أطلقت الحكومة الموريتانية الخميس الماضي، حملة واسعة تهدف إلى إقناع سكان البلد بتغيير عاداتهم الغذائية وإدخال السمك فيها.

وقالت وزارة الصيد في بيان لها في شهر أفريل 2021، إن هدف الحملة تعزيز الأمن الغذائي في البلد الذي يتوفر على ثروة سمكية هائلة.

وأضافت: “الحملة ستمتد على ثلاثة أشهر، وتستهدف بالأساس السكان الذين يعانون من مستوى معيشي متدن وأمن غذائي هش”.

وأردفت: “هذه الحملة تهدف أيضا إلى تثمين فوائد ومزايا منتجات الصيد البحري وتشجيع استهلاكها، وذلك من خلال توعية السكان فيما يتعلق بالفوائد الغذائية للأسماك الموريتانية؛ وتغيير عادات الأكل لدى السكان”.

مكافحة سوء التغذية

وحسب معطيات برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، فإن 35 ألف سيدة وطفل يعانون من سوء التغذية في موريتانيا.

وفي المناطق الهشة داخل البلاد، يوجد طفل من بين كل 6 يعاني من سوء التغذية.

وبحسب بيان لبرنامج الغذاء العالمي نشر في 8 مارس/آذار الماضي، فإن جائحة كورونا زادت من حدة أزمة الجوع في موريتانيا، حيث بات سوء التغذية يمثل إشكالية كبيرة في مجال الصحة العامة في البلد العربي البالغ عدد سكانه 4 ملايين نسمة.

وتوقع برنامج الغذاء العالمي أن تزداد حدة نقص الغذاء ببعض مناطق البلاد خلال الأشهر القادمة (أشهر الصيف) خصوصا في المناطق الريفية.

توزيعات مجانية

لتشجيع السكان عن أكل الأسماك، تحرص السلطات الموريتانية على توزيع كميات كبيرة من السمك سنويا، وبشكل مجاني على السكان، خصوصا السكان الأكثر فقرا.

وقالت الشركة الوطنية لتوزيع الأسماك (حكومية)، إنها وزعت خلال العام الماضي 5202 طنا من الأسماك ضمن جهود السلطات الرامية إلى إدخال السمك في عادات البلاد الغذائية.

وتقول الحكومة، إن سياستها بهذا الخصوص مكنت من زيادة نسبة مستهلكي السمك خلال الفترة الأخيرة (لم تحدد النسبة بالضبط)، لكنها تطمح لجعل السمك مادة أساسية في الوجبات اليومية للموريتانيين.

وأقامت الحكومة شبكة لتوزيع الأسماك في غالبية مدن البلاد، حيث يتم بيع الأسماك في هذه المدن بأسعار رمزية (أقل من ربع دولار للكيلوغرام الواحد من السمك).

Adv

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى