الصحن التونسي.. طبق يجمع كل التونسيين على مائدة واحدة

في محله الصغير بمنطقة العمران وسط العاصمة تونس، يقف مكرم، الرجل الخمسيني، يلبي طلبات عشرات المنتظرين تناول طبق الصحن التونسي الذي يعده في مطعمه الشعبي منذ أكثر من 22 سنة.

الصحن التونسي، هو أحد أشهر الأكلات الشعبية في تونس، تخصصت في تقديمه مطاعم معينة في العاصمة تونس، منذ عشرات السنين، ويتكون أساسًا من مكونات متناسقة فيما بينها، على غرار الهريسة وسلطة أمك حورية (سلطة مصنوعة من الجزر المسلوق والثوم والهريسة وبعض البهارات الأخرى) والسلطة المشوية (تُحضر من الفلفل الأخضر والطماطم والبصل والثوم والزيت) وسلطة الخيار والبطاطا والطماطم والبصل والزيتون وزيت الزيتون والطرشي، وغيرها من المكونات التي تتغير من محل إلى آخر.

الصحن التونسي عند مكرم

في مطعم الأخوة بمنطقة العمران الشعبية، يقول مكرم صاحب المحل، في تصريح لـ”نون بوست” إن بدايته مع الصحن التونسي انطلقت منذ أكثر من 37 عامًا، وتحديدًا في سن الـ12، بفضل عمله بمطعم خاله أبي فارس بمنطقة الجبل الأحمر، وهو واحد من أشهر المطاعم المتخصصة في تقديم طبق الصحن التونسي منذ نحو 50 عامًا.

يعدد الرجل الخمسيني مكونات طبق الصحن التونسي على التوالي قائلًا: “نبدأ بوضع سلطة أمك حورية التي نحضرها يوميًا من الجزر الأحمر والثوم والهريسة العربي والتابل والكروية والفلفل الأحمر المطحون، ونضيف لها القليل من الهريسة المعلبة، قبل وضع بيضة نصف مطهوة، ثم نضع السلطة الخضراء المكونة من الخيار والبصل والطماطم والبهارات، ونضيف مرة أخرى شرائح من الطماطم والبصل والخيار، ومكعبات من البطاطا المسلوقة، والمخللات من ليمون ولفت وفلفل وكبار، ثم نختم تزيين الصحن بالتونة، وزيت الزيتون”.

يحرص مكرم على تقديم وجبات الصحن التونسي متماثلة في الشكل والمضمون لحرفائه، فالسمعة التي كسبها لم تكن وليدة الصدفة مثلما يؤكد حرفاؤه الذين يثنون على لذة صحنه ورفعة أخلاقه وأخلاق العاملين معه.

يقول محمود وهو حريف دائم بمطعم مكرم في حديثه لـ”نون بوست”: “نكهة الصحن التونسي عنده مختلفة عن المطاعم الأخرى، بفضل جودة المكونات المستعملة والبهارات المستخدمة، إضافة إلى الكرم الكبير الذي يمتاز به ابن منطقتنا مكرم، فالفقير والغني وصاحب المال والمعدوم سواسية عنده ومن لا يملك المال يأكل بالمجان”.

يعتبر الصحن التونسي واحدًا من أشهر أكلات الشوارع في تونس، إذ يبلغ متوسط سعره الأربعة دنانير ونصف (نحو 1.5 دولار)، وتخصصت مطاعم دون غيرها في تقديمه منذ عشرات السنين، رغم اندثار بعضها.

أسرار يتناقلها جيل بعد جيل

على بعد بضعة كيلومترات عن وسط العاصمة تونس، يجلس الحاج الطاهر الساكر يتجاذب أطراف الحديث مع حرفائه الذين ينتظرون دورهم لشراء الصحن التونسي وساندويتش التونة التي يشتهر المحل بتقديمها منذ سنوات في منطقة جبل الجلود.

يؤكد الحاج الطاهر الرجل السبعيني لـ”نون بوست” أنه يعشق هذه المهنة التي تعلمها منذ العام 1987، وظل محافظًا عليها وعلى أسرارها طيلة 35 عامًا، وعلمها لابنه حُسين الذي أخذ عنه المشعل، مشيرًا إلى أنه اختار التخصص في هذين الصنفين دون غيرهما من الأكلات الشعبية التونسية الأخرى على غرار الكفتاجي والدجاج المصلي وغيرهما، رغم إتقانه لطريقة تحضيرها هي الأخرى.

يقصد الحاج الطاهر مئات الحرفاء يوميًا لتناول الصحن التونسي وشطائر التونة التي يتميز بها، ويتم تحضير أغلب مكوناتها بشكل يومي منذ ساعات الصباح الأولى، على غرار تقطيع الخضراوات وإعداد السلطات والبيض وغيرها من المكونات الأخرى.

تاريخ أكلة الصحن التونسي

وبالبحث عن تاريخ هذه الأكلة، تجمع المصادر أن أصلها تونسي، لكن تختلف في أول من ابتدعها، فتقول مصادر، إن يهود تونس كانوا أول من ابتكر هذا الطبق واشتهروا به منذ عقود طويلة، أبرزهم “مالينو” الذي عرف في سبعينيات القرن الماضي وكان صاحب محل وسط العاصمة تونس.

ووفقًا للمصادر ذاتها، فقد أبدع مالينو بطريقته الخاصة في صنع “كسكروت التن (سندويتش التونة)” أو “الكسكروت التونسي”، إلى جانب “الصحن التونسي”، فكان يركز على الخبز الساخن والجديد، وكان يسمى حينها بخبز الإيطاليين وهو صغير الحجم ومصنوع على الطريقة الإيطالية.

يحتوي طبق الصحن التونسي على قيمة غذائية عالية، بفضل مزيجه المتكون من الخضراوات الطازجة، على غرار الفلفل والطماطم والبصل والجزر والثوم، إضافة إلى البيض المسلوق وزيت الزيتون، وصولًا إلى سمك التونة، ما يشكل وجبة متكاملة غنية بالفيتامينات والبروتينات.

وتختلف مكونات الصحن التونسي من مطعم إلى آخر، لكن تبقى الهريسة التونسية والبطاطا المسلوقة وسلطة الخضار والتونة، مكونات أساسية لا يمكن الاستغناء عنها مهما كانت الأسباب.

Adv

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى