ماهينور المصري.. أيقونة الثورة المصرية وعدوة النظام التي لم تستكن للظلم

غنّى الشيخ إمام في مطلع السبعينات “صباح الخير على الورد الي فتح في جناين مصر” وكله يقين بأن التغيير قادم على يد جيل لم يره بعد، جيل ماهينور المصري.

من كان ليصدق أن ماهينور المصري، تلك الفتاة الخجولة، تحمل في صدرها من العزيمة والشجاعة ما يجعلها تعتلي الأعناق وتصدح بشعارات ضد النظام خلال أحداث قسم سيدي جابر في الإسكندرية سنة 2010، حين انتفض العشرات واحتجوا على مقتل الشاب خالد سعيد على يد مخبري الشرطة.

افتكت “ماهي”، كما يناديها أحبتها، مكانا لها داخل الفضاء العام و”كسرت مركزية الهتاف الذكوري” (ماهي!) عندما نادت في مواجهة حشد الأمن المركزي “يسقط يسقط حسني مبارك” و”عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية.. كرامة إنسانية” ذات صيف على كرنيش بحر الاسكندرية بمنطقة كليوباترا.

نشأت ماهينور المصري مثقلة بخيبات من سبقوها في الحلم، وهي التي عاصرت صحبة رفاقها ثلاث حقب سياسية تناوبت أنظمتها على تفقير وتجهيل الجسد والعقل المصري، فما كان لها إلا أن تثور.

فراشة الثورة المصرية

هي فراشة الثورة كما أطلق عليها رفاقها. صحيح أن ماهينور لا تستسيغ الألقاب وتتفادى التركيز على شخصها، ولكنهم يصرون. فقد فضلت هذه الفتاة “الإسكندرانية”  أن تسلك الطريق الأصعب وتقارع نظام السيسي الذي أطبق على أصوات علت خلال الثورة فكاد يلجمها للأبد. فهي المحامية والمدافعة الشرسة عن حقوق الغلابة والناشطة في المجال الثقافي والتي تؤمن بأن الاستكانة للظلم والاستئناس بالبطش تحت سلطة نظام قمعي هو استسلام لموت بطيء ومؤلم.

ماهينور المصري، كما وصفتها الباحثة خلود سعيد، هي “شابة مصرية غير عادية” ناضلت بشتى الطرق “في زمن غير عادي”. هي لم ترد أن يعتقلها النظام المرة تلو الأخرى وتُخفى قسريا وتختطف وتسجن، بل كان لها أحلامها الخاصة جدا. ولكن تنمّر السلطات وعنجهيتها حرمت الكثيرين وليس ماهينور فقط من رفاهية الحلم.

أبت آلة السيسي القمعية، ومن سبقوه في البطش، أن تترك ماهينور المصري وعلاء عبد الفتاح وأحمد دومة وغيرهم يعيشون بسلام بل أمعنت في التنكيل بهم لأنهم آمنوا بقدرتهم على رفع البلاء عن البلاد والعباد واقتلاع مرض التطبيل للحكام من الجذور، فتمجيد الطغاة على حد قول ماهينور “هو آفة الأغبياء، والبكاء على الأطلال آفة الجبناء”.

حبيبة الكل

انخرطت ماهينور المصري، خريجة الحقوق من جامعة الاسكندرية، في مطلع  الألفينيات بكل حماس مع حركة الإشتراكيين الثوريين التي رأت في مبادئها تماهيا مع الخط النضالي الذي كانت تصبو للمضي فيه، وانكبت على المشاركة في التظاهرات السياسية وحملات التثقيف والتوعية، بهدف فتح نقاشات ضرورية حول متاعب الفئات الهشة،  كظاهرة التحرش الجنسي والحريات الشخصية والمدنية ولم تخش أن تتحدث علنا عن إيمانها  بحرية المعتقد والعبادة والفكر والملبس في مجتمع محافظ ومتدين مثل المجتمع المصري.

أما من ناحية أخرى،  فقد تميزت ماهينور المصري بإنسانيتها العميقة، بشهادة من عرفوها، فقد واظبت لفترات طويلة على مواساة أهالي الشباب الذين فتكت بهم وحشية البوليس، وزيارة المتظاهرين في السجن، ودفع كفالات المفرج عنهم من رفاقها وكل من احتاج مساعدتها من مظاليم النظام.

“ست البنات” التي قالت في إحدى المرات “أنا مش بحلم بحاجة في حياتي غير إني أشوف الناس تثور على الظلم”، رأت حلم التغيير يتلاشى من بين أيادي شباب ميدان التحرير بعد أن عظم الأمل في وطن يحكمه أهله ممن نسيتهم الأغاني وطحنت عظامهم “ماكينة” الفقر. ولكنها رفضت أن تنسى وتمضي بحياتها قدما كما فعل الكثيرون بعد أن ارهقتهم الاعتقالات العشوائية وأشقتهم التراتيب الاحترازية الجائرة.

احنا مبنحبش السجون! بس مبنخافش منها!

تعرضت ماهينور المصري على مدى فترات زمنية متلاحقة ابتداء من فترة حكم مبارك وصولا لزمن السيسي لملاحقات أمنية ومضايقات وصلت إلى حد السجن في ما بعد. إذ حكم عليها بالسجن لمدة عام وثلاثة أشهر بتهمة اقتحام قسم الرمل بالإسكندرية والاعتداء على ضباط في مارس 2013، وسجنت عقب افتكاك السيسي السلطة بتهمة خرق قانون التظاهر لمدة ستة أشهر، كما حكم القضاء المصري بسجنها عامين بتهمة التظاهر وإهانة رئيس الجمهورية في ديسمبر 2017.

ولكن أثارت ملابسات اعتقالها الأخير في 23 سبتمبر 2019 موجة سخط بعد أن تعرضت ماهينور للخطف على متن “ميكروباص” من أمام مقر نيابة أمن الدولة في التجمع الخامس شرق القاهرة على يد ثلاثة عناصر بملابس مدنية أثناء تمثيلها لمتظاهرين تم القبض عليهم خلال مظاهرات 20 سبتمبر، وتم اقتيادها لوجهة غير معلومة لتظهر في عصر اليوم التالي بعد عرضها على النيابة على ذمة القضية 448 لسنة 2019 بتهمة “مشاركة جماعة إرهابية” و”نشر وإذاعة أخبار كاذبة بهدف زعزعة الأمن” و”إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي”.

ولكن ما كانت ماهينور لتتراجع عن مبادئها وهي التي قالت ذات ذكرى ثورة في رسالة كتبتها بدم قلبها في محبسها بسجن القناطر”حتى وأنا في زنزانتي ممتلئة بالحلم والأمل.. إن الثورة دائمة دوام الحياة والحلم، وأن الثورة لا تقف على أشخاص، وأن آجلا أم عاجلا في حياتنا أو حياة من بعدنا ستكتمل الثورة لأن البشر يستحقون الأفضل، وأن القبح مهما حاول أن يجمّل نفسه سيكشف وجهه”.

Adv

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى