رأي: وداعا أيّها الفاشل !
لم يكن الأمر سهلا كما كان يتصوّره البعض، ففتنة الكرسي والشغف بملذات السلطة، أغرتا الرجل ولم تتركاه يسلّم ما كان قد تسلّمه قبل 3 سنوات ونصف من هذه اللحظة التاريخية، بسلاسة ويُسر وبكل ديمقراطية كانت قاب قوسين أو أدنى من الوأد خلال فترة ترؤّسه للحكومة، عن يوسف الشاهد أتحدث.
يوسف الشاهد، الرجل القادم من غياهب المشهد السياسي المتقلّب إلى أرفع منصب في الدولة في 27 من شهر أوت 2016، لم يكن مجرّد شخصية عابرة في تاريخ الدولة التونسية، فما اقترفه في حقّ هذه البلاد من تجاوزات ومراهقات سياسية وتصفية حسابات كادتا تؤدي بالبلاد إلى ما يحمد عقباه، ساهم بلا شكّ، في أن يتنبّأ مكانة هامّة بين أسوأ السيئين الذين حكموا البلاد.
لن نتحدث كثيرا ولن نستطرد مسيرة الرجل السياسية، لأننا سنعود إليها في مناسبات قادمة، بأدق التفاصيل وبمعطيات وأرقام لا يمكن لأي كان إنكارها، لكننا أردنا في هذه العجالة أن نذكّر عموما، بقليل من طوام كثيرة كان قد ارتكبها يوسف الشاهد، ليس آخرها محاولة إعاقة تشكيل حكومتين متتاليتين لتحلّا محلّه، فنجح في الأولى وفشل في الثانية، بعد أن انكشفت ألاعيبه أمام جميع الفاعلين السياسيين.
صحيح أن يوسف الشاهد كان قد دعا في أكثر من مناسبة على إثر هزيمته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، إلى التعجيل بتشكيل حكومة جديدة وتسليمها المهام، إلا أن الوقائع والعراقيل وألغام التعيينات التي زرعها في كل مفصل من مفاصل الدولة، كانت تناقض صريح المنطوق، وتكشف عن حسرة كبيرة تخالج نفسية الرجل، بسبب خروجه منهزما وفاشلا من قصر الحكومة بالقصبة، الذي تنفّس السعداء بمغادرته، وليس بقدوم إلياس الفخفاخ، المكبّل بأكبال لا يبدو أنه قادر على فكّها خلال الفترة المقبلة.
إذا خرج يوسف الشاهد، يجرّ أذيال الخيبة، وموصوفا بالفشل من حلفائه قبل أعدائه، تاركا البلاد أتعس بكثير عن تلك التي تسلّمها، ارتفاع في المديونية وعجز قياسي في الميزان التجاري، وانهيار شبه تام للعملة، وفشل في التنمية ومحاربة الفساد وإصلاح المؤسسات العمومية والقضاء على الرشوة والمحسوبية ورقمنة الإدارة واستغلال القضاء لضرب خصومه وغيرها من شهادات الفشل الكثيرة التي شنّعت سيرته الذاتية من دون أي شك.
قد يتبادر إلى ذهن القارئ، أن كاتب المقال متحامل على رئيس الحكومة السابق وبأنه استغلّ فرصة خروجه من القصبة لكتابة هذه الأسطر، ولكن ما لا يعلمه القارئ العزيز، أننا كنا السباقين في الكتابة عن الرجل أياما قليلة بعد تولّيه مقاليد الحكم في مناسبات عديدة، محذّرين من الطوام العظام التي قد يتسبب فيها.
في الختام، نعد جميع متابعي “الموندو” بأننا سنكون مِهنيين وأحرارا في كل حرف يُكتب على هذا الموقع، ولن ندّخر جهدا في الدفاع عن هذا الوطن العزيز، بكل ما أوتينا من قوة الكلمة، وذلك في كنف احترام أعلى معايير مهنة الصحافة وأخلاقياتها، بعيدا عن الاصطفاف الحزبي أو الإقليمي، وبعيدا عن التعصّب الأيديولوجي والسياسي، فحفظ الله تونس وشعبها وحفظ أوطاننا العربية جمعاء من الفتن والمكائد العظام التي تُكاد لها.
افتتاحية الموندو