لماذا تعتبر إفريقيا أفقر قارة في العالم رغم كونها الأغنى بالموارد؟
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن النهضة الافريقية خلال السنوات الماضية، كما سبق لثاني رؤساء جنوب إفريقيا بعد انتهاء الفصل العنصري، ثابو مبيكي، أن قال حيال هذا الشأن “يجب أن تشمل جميع الأفارقة ولادة جديدة”. ومع اجتماع السياسيين الأفارقة وشركات التنقيب كل عام في ما يعرف باسم “قمة التعدين في افريقيا”، علينا التساؤل حول سبب خفوت أصوات المجتمع المدني، فصمتهم وغيابهم عن هذه القمة يشرح الكثير من أسباب استغلال الشركات للدول الإفريقية.
ثلث ثروات العالم في إفريقيا، ولكن ..
تنعم إفريقيا بوفرة الموارد الطبيعية، فهي تمتلك حوالي 30 بالمئة من احتياطي المعادن في الكرة الأرضية، بما فيها الذهب والكوبالت واليورانيوم والماس، بالاضافة إلى احتياطي ضخم من النفط والغاز. ومن غير المفاجئ ازدياد وتيرة التنقيب عن الموارد في القارة الإفريقية وفق نحو مطرد فور ارتفاع أسعار المعادن والنفط العالمية ثلاث مرات في العقد الماضي.
في الفترة بين 2000 و2008، ساهم استخراج موارد الأرض بأكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي لأفريقيا، بينما قفز الاستثمار الأجنبي المباشر في إفريقيا من 9 مليار دولار إلى 62 مليار دولار خلال الفترة ذاتها. وعلى الرغم من كونها غنية بالموارد وحدوث طفرة التنقيب في العقد الماضي، تكاد استفادة افريقيا منها تكون منعدمة فهي ما تزال القارة الأفقر في العالم، والتي يعيش ما يقارب نصف سكانها على أقل من 1.25 دولار في اليوم.
السياسيون الفاسدون وشركات التنقيب: يد بيد لاستغلال ثروات إفريقيا
تطرح هذه المعطيات التساؤل حول السبب الذي يجعل هذه القارة الغنية فقيرة للغاية، حيث يعود السبب في جزء كبير منه إلى “الأدفاق المالية غير المشروعة”، أي نقل الأموال ورؤوس الأموال من بلد لآخر بطرق غير مشروعة. ولقد أدى استغلال الموارد المعدنية في الكثير من الأحيان إلى عمليات تحيل وفساد تعود بموجبها عائدات هذه الموارد إلى جيوب النخب المحلية والأجنبية بدلاً من عامة السكان.
يعد التسعير الخاطئ الطريقة الأكثر شيوعًا لتحويل الأموال غير المشروعة إلى الخارج، وخاصة ما يعرف باسم “التسعير التحويلي” و”الفوترة المضللة”. ومن خلال هذه الحيلة، تسعى الشركات إلى زيادة أرباحها بشكل مصطنع وتعمل على زيادة فواتير النفقات في الولايات القضائية التي تفرض ضرائب أعلى، وتقوم بالعكس في الولايات التي تفرض ضرائب أقل. وباتباع هذه الحيلة يتسنى للشركات تقليل الضرائب وفق نحو غير قانوني وتحويل الأموال إلى الخارج.
تعطل هذه التدفقات غير المشروعة للأموال مسار التنمية الاجتماعية وتعيق النمو الاقتصادي الشامل في الدول الافريقية. وبدلا من استثمار عائدات هذه الموارد في تحسين البنية التحتية وضخها في قطاعي التعليم والصحة، تتواطئ النخب السياسية مع شركات التنقيب في الكثير من الأحيان وتعمل معها بتناغم لسحب العائدات المتأتية من الموارد الطاقية والمعدنية في القارة، لتمتلئ بذلك بطونها على حساب المواطنين الأفارقة.
زامبيا: ضحية واحدة من بين الكثيرين
عندما ننظر إلى زامبيا، نجدها دولة غنية تتصدر معهدلات إنتاج النحاس في القارة الإفريقية وتحل في المركز السابع على مستوى العالم، لكنها رغم ذلك واحدة من أفقر دوله على الاطلاق. ويعيش 74% من سكان زامبيا على أقل من 1.25 دولار في اليوم الواحد، كما يعاني 43% منهم من سوء التغذية، وهو ما يرجع في جزء منه إلى نزيف ثرواتها، والذي يكون في الغالب بسبب شركات التنقيب العالمية.
وفقا لنائب وزير المالية الزامبي، خسرت البلاد سنة 2012 مبلغ 2 مليار دولار بسبب التهرب الضريبي، وهو ما يمثل 10% من ناتجها الإجمالي. ولقد كان قطاع التنقيب المتضرر الأكبر من هذا التهرب بسبب “التسعير التحويلي”، والذي يكون بمبادلة أقسام مختلفة من الشركة الواحدة الموارد والخدمات فيما بينها بأسعار تحددها بنفسها، كما تفرط في الابلاغ عن تكاليف الانتاج والتنقيب، في حين لا تكاد تنشر أي تقارير حول كمية الموارد المستخرجة. وما يزيد هذا الأمر تعقيدا هو الكم الهائل للحوافز الضريبية السخية التي تمنحها الحكومة الزامبية للشركات.
لا يعد المثال الزامبي حالة منعزلة، بل إن ممارسات شركات التنقيب عن الثروات شائعة في جميع أنحاء القارة السمراء. ففي جنوب إفريقيا، يعتبر تهريب رأس المال شائعا للغاية في قطاعي التنقيب عن المعادن والأحجار الكريمة من خلال الفوترة المضللة، حيث بلغ حجم المال المختلس عن طريق الفواتير المضللة 167 مليون دولار بين سنوات 1995 و2006.
عندما يتعلق الأمر بالدول المصدرة للمحروقات في إفريقيا، كانت هذه الدول تخسر ما معدله 10 مليار دولار في السنة الواحدة بسبب الفوترة المضللة بين سنوات 1970 و2008، وهو مبلغ يقترب من نصف جميع التدفقات المالية غير المشروعة في القارة في ذلك الوقت.
إن لم يكن ذلك كافيا، كشفت بيانات صادرة عن نظام عملية كيمبرلي لإصدار شهادات المنشأ لسنة 2003 أن الكميات المستخرجة من الماس في إفريقيا كان يقترب من ضعف الكميات المبلغ عنها. ويشير ذلك إلى عمليات تهريب واسعة النطاق، فضلا عن نقص نشر التقارير المتعلقة بالعمليات التجارية والتهرب الضريبي الذي ينخر جسد هذا القطاع، والقائمة تطول.
ما العمل؟
يبدو هذا السؤال مبررا للغاية، وجوابه هو تعميم الشفافية وجعلها أساس جميع الحلول، فالبلدان الافريقية في حاجة ماسة إلى أن تكون أكثر انفتاحًا في تعاملاتها مع شركات التنقيب. ويتعين على حكومات هذه البلدان تطبيق أنظمة ضريبية أكثر عدلا وفرض قواعد لمكافحة الفساد، فضلا عن اتباع سياسات اقتصادية متنوعة تقلل الاعتماد على عوائد الثروات المعدنية والطاقية، ودفع جميع الأطراف للالتزام بالقواعد أو إخضاعهم للمساءلة بسبب تصرفاتهم الطائشة. ومن شأن تطبيق هذه الإجراءَات أن يضمن استفادة الناس العاديين من ثروات قارتهم ووضع إفريقيا في مسار قوامه نماء أكبر.
علاوة على ذلك، يقود التنقيب المتكرر إلى تعطيل وتدمير مرافق عيش الناس والإضرار بصحتهم وبالنظام البيئي، ما يجعل المجتمعات المحلية في جميع أنحاء القارة الطرف المتضرر الأكبر من عمليات التنقيب. ولذلك، يجب على الفعاليات مثل “قمة التعدين في إفريقيا” أن تُستغل باعتبارها الفرصة المثالية إدخال هذه المجتمعات في المناقشات ذاتها التي ستؤثر على حياتهم، والذين لم يكونوا مدعوين لحضورها قط. وبينما تناقش نخب قطاع التنقيب السبل المثلى لاستغلال ثروات القارة، تتعمق جراح الأفارقة ويزداد وقع خسارتهم.