تاريخ يمتدّ لمئات السنين.. كيف أصبحت ولاية صفاقس عاصمة اللوز في تونس؟
تحتلّ تونس، مركزا متقدّما في صفوف أكبر البلدان المنتجة للوز (المركز العاشر)، بطاقة إنتاجية تتجاوز 60 ألف طن في السنة.
هذا ويأتي معظم الإنتاج الوطني من اللوز، من ولاية صفاقس الواقعة جنوب البلاد، بفضل الأراضي الشاسعة التي قام أصحابها بزراعتها بمئات الآلاف من أشجار اللوز منذ مئات السنين، لتوفر البيئة الطبيعية الملائمة لغراستها والظرفية التاريخية والاقتصادية، التي أدت لتزايد عددها وتطور أنواعها.
وبحسب ورقة بحثية من إنجاز المركز الوطني للتراث، فإن جنان غابة صفاقس، تمثّل المجال الذي خُصِّص لغراسة اللوز منذ القرن الثامن عشر وتزايدت هذه الغراسة في القرن الذي يليه.
وتمتد غراسة اللوز اليوم على مساحات شاسعة وتثبت المؤشرات الإحصائية أن صفاقس تحتل صدارة قائمة المدن التونسية المنتجة لثمار اللوز مما سمح بظهور جملة من المعارف والمهارات والعادات المتعلقة بشجرة اللوز توارثتها الأجيال وتواصلت إلى اليوم متجلية من خلال جملة من الالكروم ممارسات.
الطقوس والممارسات الاجتماعية
يعتبر سكان صفاقس أن شجرة اللوز مصدر خير ويجدر تكريمها، ويترجم هذا الاعتقاد الامتناع عن تقليمها بسكين لامست البصل أو الثوم سلفا حفاظا عليها من التسمم، وهوما يعني قدرا كبيرا من الاعتقاد والتوقير والتكريم لهذه الشجرة.
ويقترن اللوز بأهم مراحل الحياة وأحداثها عبر وظيفتها الرمزية والطقسية ضمن دورة الحياة، فثمار اللوز حاضرة في الممارسات التي تسبق الزواج من خلال حرص الأم على إطعام ابنها قبل أيام قليلة من الزواج حبات من اللوز المغمّسة في عسل النحل اعتقادا في قدرتها الخارقة على تقوية الطاقة الجنسية.
وبذلك اكتسبت هذه الحبات قيمة مضافة فضلا عن قيمتها البيولوجية، وهي معتقدات قديمة تعود إلى أصول إغريقية باعتبار أن اللوز يعتبر في الأسطورة الإغريقية رمزا للجنس وأخذ حيزا هاما في أسطورة الحلويات التي تناقلتها الأجيال.
وبذلك ارتبط هذا السلوك الغذائي بمعتقد موغل في القدم واختزن بعدا رمزيا يُعدّ طبق المناسبات الاحتفالية خير تجسيد له.
وتستند بعض المقولات المتداولة عن أصناف من ثمار اللوز إلى اعتقادات تتجاوز الخصوصيات النوعية للشجرة لتجعل من البركة مصدرا لتميّزها بكبر حجمها وهو شكل آخر من أشكال اجتياز المادي إلى الرمزي، فيكون وجود حبتين من اللوز متلاصقتين رمزا للوفرة ودلالة على حلول البركة.
“حلو اللوز” في المجتمع الصفاقسي
كما يحضر “حلو اللوز” في احتفالات الزواج انطلاقا من منتصف خمسينات القرن الماضي حسب ما تفيد به الذاكرة المحلية، ويسمى محليا “دور الكعبة” ويقصد بذلك توزيع حلويات اللوز على الحاضرين في الزفاف ليصبح هذا الصنف من الحلويات الذي يقوم أساسه على حبات اللوز المجروشة علامة تقاسم الفرح ورمز الاحتفال.
ولا تبدو الحاجة إلى أكل هذه الحلويات بيولوجية بل تتجاوزها إلى ممارسة تعبّر عن معاني مشاركة عائلة العروسين وتعكس إحدى تمظهرات تشكّل الذوق الجماعي.
وساهمت احتفالات أخرى مثل الختان والأعياد الدينية في ترسيخ رمزية الفرح التي تقترن بتذوّق أصناف من الحلويات )البقلاوة والملبّس وكعك اللوز(، وتستند إلى اللوز في تركيبتها الأساسية، وبذلك مثّلت هذه الحلويات رمز الفرح وتحوّلت إلى لون من الغذاء تحفّ به جملة من الرموز.
ولئن واكبت هذه الحلويات دورة الحياة منذ الوالدة مرورا بالختان ووصولا إلى الزواج، كما صاحبت دورة الفصول والأعياد ومثّل حضورها شرطا اجتماعيا لإقامة هذه الأحداث، فإننا نسجل غيابا كليا لحلو اللوز في فترة الأزمات وأيام الحزن على الميت، وبذلك اقترن اللوز بالبعد الاحتفالي في دورة الحياة.
ألقاب عائلات لأنواع من اللوز
تلتقي أسماء بعض الأنواع من اللوز مع أسماء ألقاب بعض العائلات التي تسكن مدينة صفاقس ومن وجوه هذا الالتقاء ودلالاته في مخزون الذاكرة الشعبية، أن هذه التسمية تنطوي ضمنيا عن وجاهة هذه العائلات الاجتماعية التي تبرز عبر ما تمتلكه من أراضي فلاحية مشجّرة باللوز.
وتصبح بذلك مدخلا لتصنيف أفضلي يمكّنها من أن تجد لنفسها مكانة بين العائلات الأخرى التي اشتهرت بمعارفها العلمية أو الحرفية ويمكّنها من التفاخر بتميّزها في واقع يُعتبر فيه التفاخر بالأمجاد والأنساب من محدّدات العلاقات الاجتماعية وخاصة في الزواج والمصاهرات.
ومن هذه الأنواع التي سُمّيت على أسماء بعض العائلات، نجد لوز الفخفاخ والزحاف والقسنطيني وشيخ روحه، وفطيمة وغيرها.
يشار إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، تستأثر بـ80 في المائة من الإنتاج العالمي للوز، وتعتبر المزوّد الأول للأسواق العالمية، من هذه المادّة.