مسلسل “أولاد مفيدة”.. نسف لثوابت المجتمع التونسي وإفساد للذوق العام
جرائم قتل مروّعة، مخدرات وخمور بأنواعها، زنا، سفاح، دعارة، تحرّش جنسي، اغتصاب، مشاهد ساخنة ومثيرة، حرب عصابات، لقيط يقتل أباه وآخر يقترح السُّكْرَ على والده، تشويه لصورة المحامين والأطباء ورجال الأعمال وغيرهم، كل هذا وأكثر، حاول من خلاله سامي الفهري ومن بعده مخرجة العمل سوسن الجمني، تقديم صورة مخزية للمجتمع التونسي، ناسفين بذلك كل الثوابت المزروعة في البلاد منذ عقود.
أولاد مفيدة في موسمه الخامس، لم يكن عملا دراميا يستحق المشاهدة والنقد الفني، بقدر ما كان مواصلة لما بدأه الفهري قبل دخوله السجن وأكملته مخرجة العمل في نسخته الحالية، من إفساد للذوق العام، وتشويه لصورة المجتمع التونسي، البعيد كل البعد عما يحاول القائمون على العمل إبرازه للتونسيين والمتابعين العرب بصفة عامة.
المسلسل التونسي الذي تصدّر نسب المشاهدة خلال السنوات الأخيرة وهذه السنة، لم يكن بفضل حبكته الدرامية وقوة السيناريو وتسلسل الأحداث وترابطها، بقدر ما كانت أسبابه الأساسية، امتلاءه بالمشاهد الساخنة وحجم الإجرام والعنف اللفظي والمعنوي الرهيب في كل حلقة من حلقاته، ما جعل السواد الأعظم من العائلات التونسية ترفض متابعته، في وقت اختارت فيه عائلات أخرى، مشاهدته فرادى على موقع يوتيوب تكريسا لثقافة احترام الأبوين المزروعة في الشعب التونسي منذ النشأة الأولى، وهو ما يفسّر الأرقام المليونية لأعداد المشاهدات في اليوتيوب التي يتشارك فيها التونسيون مع الأشقاء الجزائريين والليبيين.
قد يفتخر المشرفون على العمل، بأن نسب المشاهدة المرتفعة والأرقام المليونية التي يسجلونها يوميا تعكس رغبة جامحة في متابعة هذا العمل ونجاحا باهرا، لكن قد يتناسى هؤلاء، أن عددا لا بأس به من المواقع الإباحية تتصدّر نسب اهتمام فئة واسعة من التونسيين ومتابعة يومية، وفق ما تظهر ذلك الإحصائيات التي تنشرها المواقع المتخصصة بقيس نسب متابعة المواقع الإلكترونية.
كل ما سبق وذكرناه في واد، ولكن سلاطة لسان المشرفين على العمل والمدافعين عنها في واد آخر، أعيت النقاد الفنيين ومنتقدي العمل، الذين صاروا يرفضون تقييم هذا العمل فنيا، لكون الضرب في الميت حراما كما يقول المثل، حيث سبق لهم وأن أكدوا خلال المواسم السابقة، أن هذا العمل تافه وجريمة في حق المجتمع التونسي، وخطر داهم يؤثر على الصحة النفسية للمتابعين خاصة منهم الأطفال المتأثرين بالأحداث والشخصيات.
الجزء الخامس من المسلسل لهذا العام، لم يخلو من مشاهد العنف واستهلاك المخدرات ومحاولات القتل والزنا وغيرها من المشاهد الحساسة، لكن الهيئة المستقلة للاتصال السمعي البصري لم تحرّك ساكنا هذه المرة مثلما فعلت السنة الماضية، بقرارها التأخير الإلزامي لتوقيت بث المسلسل إلى ما بعد فترة الذروة وإلزام القناة بالكتابة على كامل الشاشة وبخط واضح “هذا البرنامج يحتوي على مشاهد عنف من شأنها التأثير على الفئات الحساسة وخاصة الأطفال دون سن 12 سنة” وذلك قبل عرض كل حلقة من المسلسل ولمدة 10 ثوان إضافة إلى وضع علامة أسفل الشاشة، طيلة عرض الحلقة، تفيد بأن البرنامج ممنوع على من سنهم أقل من 12 سنة، ما يطرح أكثر من تساؤل عن المكيال الذي تكيل به هذه الهيئة التي تنخرها الحسابات والمصالح، وتحرّكها الدوافع الذاتية أكثر من أي شيء آخر ذي علاقة بتعديل المشهد الإعلامي السمعي البصري.
من المؤسف جدا تقديم صورة قاتمة مليئة بالإجرام بمختلف أنواعه عن المجتمع التونسي، وكل من يدّعي أن ما تم تقديمه حقيقة تعكس السائد في المجتمع يكون قد كذب مرتين، مرة على نفسه ومرة على المتابعين، لأن ما يُراد تسويقه وتكريسه في المجتمع من وراء هذا العمل، ليس إلا نمط عيش لفئة قليلة جدا لا يمكن أن تقاس نسبتها بما هو موجود على أرض الواقع، يتوق كثيرون لإدخاله عنوة لبيوت معظم التونسيين، لعلّهم ينفتحون ويخرجون من نمط عيشهم التقليدي والمحافظ، إلى عالم مفيدة وأولادها.
شمس الدين النقاز، رئيس تحرير “الموندو”