نشر موقع “ناشيونال جيوغرافيك” تقريرا حول مؤسس منظمة الإلوميناتي (المتنورين) “آدم وايسهاوبتم” وهي واحدة من أكثر المنظمات سرية في العالم، واستعرضت كاتبة التقرير “إيزابيل هيرنانديز” أهم محطات بروز هذا التنظيم الشهير وصولا إلى قرار حظره بالكامل.
وتقول “هيرنانديز” إن المفكر الألماني “آدم وايسهاوبتم” كان سيذهل تماما لو علم أن أفكاره ستغذي يوما ما نظريات مؤامرة عديدة وتلهم الروايات والأفلام الأكثر مبيعا، مضيفة أن الغالبية العظمى من معاصريه كانوا سيندهشون بنفس القدر لو اكتشفوا بأن هذا الأستاذ المحترم كان يعتبر عدوا خطيرا للدولة التي صنفت منظمته السرية كتهديد للسلم الاجتماعي.
عاش “وايسهاوبتم” سليل العائلة اليهودية، الذي ولد عام 1748 في مدينة “إنغولشتات”، من مقاطعة بافاريا (أصبحت الآن جزءا من دولة ألمانيا الحديثة) يتيما، واعتنى عمه الأكاديمي بتعليمه وسجله في مدرسة يسوعية.
درس “وايسهاوبتم” القانون الطبيعي والقانون الكنسي في جامعة إنغولشتات وتزوج وأنشأ أسرة. ومافتئ يعيش حياة غير مثيرة للشكوك حتى سنة 1784 عندما علمت الدولة البافارية بأفكاره القابلة للاشتعال.
كان “وايسهاوبتم” القارئ النهم منذ نعومة أظافره على دراية بأفكار فلاسفة عصر التنوير الفرنسيين الذين عجت مكتبة عمه بكتباتهم، في وقت عرفت بافاريا فيه بسياساتها المحافظة وعقيدتها الكاثوليكية ولكن هذا لم يمنعه والكثير من معاصريه من الإيمان بأن الحكم الملكي والكنيسة يقمعان حرية الفكر.
دفع اقتناع “وايسهاوبتم” بأن الأفكار الدينية لم تعد نظاما عقائديا مناسبا لحكم المجتمعات الحديثة ان يبحث في منظومة بديلة لما هو سائد تتكون من مجموعة من الأفكار والممارسات التي يمكن تطبيقها لتغيير طريقة إدارة الدول الأوروبية بشكل جذري.
وفي نفس الفترة توسع نفوذ الماسونية بشكل مطرد في جميع أنحاء أوروبا، إذ نجح هذا التجمع العقائدي في تقديم بدائل جذابة للمفكرين الأحرار. فكّر “وايسهاوبتم” في الانضمام إلى صفوف الماسونيين في البداية ولكن خاب أمله في العديد من أفكارهم ما جعله يعدل عن قراره.
ولكن الشعور بالخيبة لم يمنع “وايسهاوبتم” من الانغماس في الاطلاع على مواضيع مخصوصة مثل أسرار حكماء ممفيس السبعة وديانة القبلانية، ثم قرر في فترة لاحقة تأسيس جمعية سرية خاصة به.
لم يكن “وايسهاوبتم” معاديا للأديان بحد ذاتها، بل كان يشكك في طريقة ممارستها وفرضها على المجتمعات. واعتقد هذا الاخير أنه يقدم فكرا متحررا من التحيز الديني ويحفز الفضائل الاجتماعية من خلال توفير آليات تعايش أرحب وأكثر عملية لتحقيق معادلة السعادة العالمية. ولتحقيق ذلك كان من الضروري خلق “حالة من الحرية والمساواة الأخلاقية تتجاوز العقبات التي تزرعها التبعية في طريق هذه الغاية المثلى.
وفي ليلة 1 مايو 1776، التقى المتنورون الأول مرة لتأسيس التنظيم السري في غابة بالقرب من مدينة إنغولشتات. وهناك حدد الحاضرون القواعد المنظمة للجمعية والتي تتطلب موافقة الاعضاء على انضمام المرشحين المستقبليين، الذين وجب عليهم التمتع بسمعة محترمة وثروة مادية وافرة وروابط عائلية واجتماعية وثيقة.
على مدى السنوات التالية نما هذا النظام السري بشكل ملحوظ من حيث الحجم والتنوع، ليضم 600 عضوا بحلول سنة 1782. وكان من بين هؤلاء الأتباع شخصيات مؤثرة في الحياة العامة البافارية مثل البارون “أدولف فون كنيج”. وتوسعت عضوية التنظيم لتشمل النبلاء والسياسيين والأطباء والمحامين ورجال القانون، بالإضافة إلى المثقفين وبعض الكتاب البارزين بما في ذلك الأديب الألماني ” يوهان فولفغانغ فون غوته” .
لعب البارون “فون كنيج” دورا محوريا في تنظيم الجمعية وتوسعها. وبصفته ماسونيا سابقا كان يؤيد تبني طقوس مماثلة لطقوس الماسونية. كما تم إعطاء أعضاء الإلوميناتي اسماء سرية ورمزية مستوحاة من العصور الكلاسيكية القديمة، وأصبحت مستويات العضوية تخضع لتسلسل هرمي أكثر تعقيدا.
تسببت الضغوط الداخلية والخارجية في الحد من توسع منظمة الإلوميناتي ومنعت أعضاءها من استقطاب مسؤولي السلطة البافارية، بعد أن انغمس “كنيج” و “وايسهاوبتم” في صراع حول تحديد أهداف وإجراءات التنظيم ما أجبر البارون في النهاية على الرحيل.
وفي الأثناء، كتب “جوزيف أوتزشنايدر” (عضو سابق في تنظيم الإلوميناتي) رسالة إلى دوقة بافاريا الكبرى رفع من خلالها غطاء السرية عن اكثر التنظيمات المخفية على الإطلاق.
احتوت رسالة “أوتزشنايدر” مزيجا من الحقائق والأكاذيب. فقد كتب هذا الاخير أن الإلوميناتي يؤمنون بمشروعية الانتحار وضرورة تسميم أعداء التنظيم وأن الدين هو محض هراء. كما أشار إلى أن اتباع المنظمة يتآمرون ضد بافاريا لصالح النمسا مما دفع الدوقة لتحذير زوجها حاكم بافاريا الذي أصدر مرسوما في يونيو 1784 يحظر تأسيس أي نوع من المجتمعات السرية بدون تصريح مسبق من السلطات.
اعتقد أعضاء الإلوميناتي في البداية أن هذا الحظر العام لن يؤثر عليهم بشكل مباشر، ولكن بعد أقل من عام، في مارس 1785، أصدر الحاكم البافاري مرسوما ثانيا يحظر التنظيم صراحة. وفي خضم حملة من الاعتقالات التي نفذتها الشرطة البافارية ضد أعضاء مجتمع المتنورين تم العثور على وثائق اعتبرت شديدة الخطورة بما في ذلك ما يدل على الدفاع عن حق الفرد في الانتحار والإلحاد، فضلا عن خطة لإنشاء فرع نسائي للتنظيم، ووصفات لصناعة الحبر السري. وقد استُخدمت هذه الأدلة كأساس لاتهام الجمعية السرية بالتآمر على الدين والدولة.
في الأثناء فقد “وايسهاوبتم” منصبه في جامعة إنغولشتات ونُفي ليعيش بقية حياته في مدينة جوتا من مقاطعة ساكسونيا حيث درّس الفلسفة في جامعة غوتينغن. واعتبرت الدولة البافارية الإلوميناتي تنظيما محظورا ومفكك بشكل نهائي.
ومع ذلك فقد صمد إرث تنظيم الإلوميناتي وكان محور العديد من نظريات المؤامرة فقد اتهم “وايسهاوبتم” بالمساعدة في التخطيط للثورة الفرنسية وتم إلقاء اللوم على المتنورين عندما اغتيل جون كينيدي. كما أثرت أفكار “وايسهاوبتم” على المخيال الشعبي والأدبي لترى النور أعمال أدبية مثل رواية “ملائكة وشياطين” للكاتب “دان براون”.
This post was published on 2023-05-15 11:01