الدكتور هاني مبارك يكتب: مسلسل ”النهاية” الذي عرى مفهوم السلام المشوه
مقالات الرأي المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي “الموندو”
قد لا يسعف الخيال أيا منا في أن يرى لوحة أكثر حزنا في التاريخ ومدعاة للسخرية من لوحة ترسم قسمات حزن وشفقة لضحية على جلادها الذي لم يتوقف منذ مائة عام ولو لحظة واحدة عن إلهاب ظهرها بسياط ظلمه وقهره وعنجهيته وغبائه.
ولكن عندما يتعدى من عمر السلام المشوه أكثر من أربعين عاما بكل ما حملته من محاولات لتزوير التاريخ والإرادة وتستفيق بعدها على بيان للخارجية الإسرائيلية تنتقد فيه مسلسلا مصريا يتوقع نهاية دولة الاحتلال الصهيوني، تدرك أنك من المحظوظين الذين أسعفهم ذلك الخيال لتبدي حزنا وشفقة على جلاد لم يفهم حتى للقوة من معنا إلا أنها قوة الرصاص والقتل.
احتلال لم يفهم كما فهمت كل أشكال الاجتماع البشري التي عُرفت منذ فجر الإنسانية الأول وإلى يومنا هذا، أن للقوة أشكالا كثيرة وأنها الأكثر حركة وتغيرا وتنقلا على محور الزمن وأنها قبل كل شيء، حاجة للذات كما هي حاجة الآخر، وأن الوصول إليها إن لم يكن عملا واعيا فإنه قد يكون فعل لا إرادي تقتضيه ضرورات الوجود المتوازن.
والمضحك بل والمثير للشفقة أن قادة “إسرائيل” لم يدركوا أن الاستخدام الأمثل للقوة هو في استعمالها لتكريسها هندسة وجود متكافئ، يخلو من أي نزوع استئصالي، أولا لاستحالة تحويله إلى واقع مادي لأنه مخالف لنواميس البقاء المتوازن، وثانيا لأنه يؤسس لاستئناف صراع أشد قسوة تميل فيه القوة وفقا لقانون حركتها على محور الزمن إلى الطرف الآخر، ما يعني أن قادة “إسرائيل” الحاليين يقامرون بمستقبل الأبناء القادمين.
فهل اكتشفت “إسرائيل” اليوم مع هذا الإقبال الكبير على مسلسل ”النهاية” وبعد كل هذه السنوات من العدوان أن للسلام قوانين وقواعد وأن ضمانته الحقيقية هي الشعوب وليست الأنظمة، أم أنها ستواصل سياسة الاحتجاج الواهي في ظل الإمعان على استخدامها لنوع واحد من القوة المجردة من أي بعد أخلاقي أو إنساني أو حتى قانوني⸮
من المؤكد أننا لسنا الآن بصدد الإجابة على سؤال من هذا القبيل، ولكنا نورده لكي نقول إن استمرارها في تجاهل قواعد العيش المشترك في المنطقة قد يجعلها ليس بعد أربعين سنة أخرى بل بأقرب مما تصور في مواجهة ليس مسلسلا أو مسرحية بل أمام موجة قاسية من استئناف الصراع.
إن لم تدرك “إسرائيل” هذه الحقيقة أو لا ترغب في إدراكها -وهو الأرجح- في المدى المنظور، فعلى أصدقائها أن يدفعوها وإلا فإن القوى المعنية بالمحافظة على الأمن الدولي عليها أن تحمل مسؤوليتها في هذا الشأن لأنه لم يعد مبررا الاستمرار في النهج المشوه للسلام، الذي عبر الشعب المصري العظيم اليوم عن رفضه له من خلال هذا الإقبال الكبير على متابعة مسلسل ”النهاية”، ليبدد بذلك وهما إسرائيليا مثيرا للشفقة حول إمكانية فرض سلام لا يستجيب لشروط السلام القائم على العدل والإنصاف، ويعري فهما متهافتا لقانون القوة يجبر شعبا على القبول بسلام لا يعيد للشعب الفلسطيني حقه في بناء دولته المستقلة كبقية شعوب الأرض.
الدكتور هاني مبارك أستاذ الإعلام والاتصال بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار في تونس