هدنة عيد الميلاد، هي مشهد من أكثر المشاهد التي يمكن أن تقع عليها أعين المرء إدهاشا، حدثت في 25 من ديسمبر 1914 في خضم الحرب العالمية الأولى، حين تحوّلت أجواء الموت والقتال فجأة إلى لحظات من السلام والود، فترة أسماها المؤرّخون بهدنة عيد الميلاد.
حدثت هذه الهدنة بين الخنادق الإنجليزية والألمانية الأمامية على الجبهة الغربية فوق المتراس، عندما تبادل الطرفان هتافات تحمل مطالب بأن كفّوا عنا نيرانكم نكفّ عنكم نيراننا، ثم صاروا ينشُدون ترنيمة عيد الميلاد لبعضهم بعضا، حينها، ظهر جنديّ ألمانيّ ملوّحاٌ بذراعيه، ليخرج على إثر ذلك جنديين اثنين لا يحملان بنادق من الخندق ليسيرا في اتجاه الخنادق المقابلة، التي كانت على وشك إطلاق النار، قبل أن يذهب أحد الجنود الألمان لملاقاتهم.
خلال تلك اللحظة الشهيرة التي خاطر فيها الجنود بأرواحهم بالخروج من الخنادق، تبادل الطرفان التهاني بعيد الميلاد، وخلال دقيقتين أصبحت، الأرض المحرّمة التي تفصل بين طرفي النزاع، تعجّ بالرجال والضباط من الجانبين، ليتصافحوا بالأيادي متمنّين لبعضهم البعض عيد ميلادٍ سعيد، كما تبادل بعضهم السجائر والتّواقيع التذكارية، بينما استمتع آخرون بفرصة أولى لتحرير أرجلهم والسير بحريّة منذ شهور دون أن يواجهوا نيران الرشاشات الأوتوماتيكية.
أجواء الفرح والإنسانية التي جعلت الجنود يتحرّرون من القسوة وينسون سبب تواجدهم، كانت هدنة رأس السنة، التي تعالت فيها الضحكات وتبادل فيها المتحاربون التقاط الصور، كما تقاسم الجنود الطعام والهدايا المرسلة إليهم من بلدانهم، وتبادلوا أزرار بدلاتهم العسكرية، بوصفها تذكارا يخلّد الحدث، كما لعبوا مباراة كرة قدم.
لحظات السلام الهشّة تلك، لم تدُم تطويلا، حيث قام جنديّ بريطاني بإطلاق النار في الهواء عن طريق الخطأ، حينها، شعر القادة العسكريون بالغضب بسبب هذا الحادث الذي وضع حدّا لأجواء الفرح، قبل أن يتواصل القتال مرّة أخرى.
كل هذه الوقائع، رواها فرانك ريتشاردز الجندي البريطاني الذي كان حاضرا، في رواية نقلت تفاصيل ما حدث بصورة مفصّلة، مشيرا إلى أنّ هذه الهدنة تمكّنت من احتواء كثير من المشاعر، ولكنها لم تدم طويلا، حيث تواصلت الحرب بعد ذلك لأربع سنوات أخرى، أسفرت عن مقتل نحو 37 مليون شخص من المدنيّين والعسكريّين، لتبقى هذه الهدنة الوقتية، لحظة تذكارية فاصلة بين الحرب والإنسانية.
This post was published on 2023-05-16 11:15