يمكن لنا القول إن المنتخب التونسي لكرة القدم كان السمكة الصغيرة في حوض الحيتان بكأس العالم الذي أقيم في روسيا الأخيرة عام 2018. وعلى الرغم من عدم تجاوز نسور قرطاج لدوري المجموعات، إلا أن تواجده في المحفل العالمي كان نتاج ثقافة كرة قدم وطنية نابضة بالحياة، فتونس تزخر بتاريخ غني ومعقد في بعض الأحيان، والأمر سيان بالنسبة لمشاركات فريق القدم في المسابقات القارية والعالمية.
لطالما وجد الرياضيون التونسيون أنفسهم مجندين لخدمة الماكينة الإعلامية للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي ونظامه الاستبدادي، والذي أطاحت به ثورة الياسمين في 2011، وهي ثورة يسميها التونسيون “ثورة الكرامة”. وفي دراسته التي تحمل عنوان “الرياضة والشرعية السياسية وبناء الهوية في تونس في العقد الأول من القرن 21“، يقول إدريس عباسي إن احتضان تونس للألعاب المتوسطية برادس سنة 2004 مثل مناسبة استغلتها حكومة بن علي آنذاك للاستفادة من الفرق الرياضية باعتبارها رموزا وطنية واستعادة لمجد قرطاج الماضي. والجدير بالذكر أن هذه المدينة تعد جوهرة من آثار جنوب البحر الأبيض المتوسط، وهي تمثل نواة مملكة عظمى تمركزت عاصمتها على مشارف العاصمة الحديثة لتونس.
كان استغلال منتخب النسور من قبل نظام بن علي سيفا ذو حدين، فوسائل الإعلام آنذاك دأبت على انتقاد المنتخب الوطني كطريقة ملتوية لانتقاد النظام نفسه. ويشرح الصحفي سهيل خمير ذلك بالقول إن “مشجعي المنتخب الوطني كثيرا ما اعتُبروا خونة وينظر إليهم على أنهم يتبعون النظام الدكتاتوري السابق على نحو أعمى، ولا يزال البعض اليوم يعتقد أن الحكومة تحول تركيزنا إلى كرة القدم في محاولة لإبعادنا عن المشاكل والقضايا الحقيقية للبلاد”.
لكرة القدم قدرة دائمة على أن تكون أفيون الشعوب، إلا أن حكومة الباجي قايد السبسي مثلا لم يسبق لها التصريح العلني بأي نقطة تخص تسييس الرياضة، وقد يكون ذلك لأنها استفادت من العديد من نقاط القوة ومكاسب أخرى، مثل اعتبار تونس “قصة نجاح الربيع العربي” ودولة رائدة في مجال حقوق المرأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ولا تعني هذا التسميات بالضرورة أنها تعكس الواقع.
حتى وقت قريب، لم تكن هناك العديد من نقاط القوة التي يمكن الاستفادة منها، ووفقا لتحليل الصحفي فاروق عبده، جدد تأهل المنتخب الوطني لكأس العالم روسيا 2018 ديناميكية الفريق قليلا، حتى إن كان ذلك التأهل يعمل للتستر على مشاكل في مواضع أخرى في كرة القدم التونسية.
بعيدا عن كونها تشتت الانتباه عن القضايا الاجتماعية، لطالما كانت الرياضة مصدرا للفوضى ومخرجا للتنفيس عن التوترات الاجتماعية في تونس، خاصة البطولة التونسية لكرة القدم. ويجذب دوري الدرجة الأولى دعم الآلاف من الشباب الذين يجدون في مجتمعات الألتراس إحساسا بالهوية. ويرى الصحفي مالك الأكحل أن “الانتماء إلى مجموعة قوية تتحدى السلطة مهم للغاية بالنسبة لشبان يحتاجون للشعور بتأكيد أهمية دورهم في بلد يعمل على تهميشهم هيكليا”.
تجد هذه المجموعات القوية من الألتراس في عروض الألعاب النارية والدخلات الصاخبة منفذا للتنفيس عن آرائها ومشاعرها، وقد تجد في بعض الأحيان غايتها في العنف. والجدير بالذكر أن الألتراس كانوا حاضرين في الشوارع التونسية في ثورة 2011، وكانوا ضحية للاستهداف والتجريم من قبل الشرطة في البلاد. ولا يخفى على أحد أن معدلات العنف في الملاعب التونسية ازدادت مع مرور الوقت، وليس فقط من طرف الشرطة والمشجعين، بل إن الأمر امتد ليبلغ المدربين أيضا.
وصلت أخبار هذه الممارسات إلى مرافئ مهد كرة القدم، حيث نشرت صحيفة الديلي ستار البريطانية تقريرا يثير مخاوف من عنف الألتراس التونسيين الذين وصفتهم بأنهم “متعطشون للدماء”، وذلك بعد مشاهدة مباراة منتخب بلادهم ضد نسور قرطاج. وبقدر ما قد يبدو هذا الأمر وكأن الإنجليز يلومون التونسيين نظير عيب متأصل فيهم، إلا أن هذه المخاوف تعتبر غير مدروسة.
ويشرح الأكحل ذلك من خلال القول إن ” الألتراس يجدون حس الانتماء في ناديهم أو حيهم أكثر من منتخبهم الوطني، وينتابهم شعور بالملل عند مشاهدة مباريات نسور قرطاج، هذا إن كانوا حاضرين في المدرجات من الأساس”. وبذلك تنقسم القاعدة الجماهيرية الكروية في تونس إلى نوعين متضادين تقريبا.
إذا كانت البطولة التونسية المكان الذي يبلغ فيه الصراع الاجتماعي ذروته، فإن المنتخب الوطني هو الذي يلغي هذا الصراع إلى حد ما. وكما هو الحال مع بلدان شمال إفريقيا الأخرى، ما يزال الاحتكار الثقافي للمدن الساحلية المتوسطية حاضرا بقوة، وهو ما ينعكس على هوية الأربعة الكبار في البطولة التونسية، أي الترجي الرياضي التونسي والنادي الإفريقي والنجم الرياضي الساحلي والنادي الصفاقسي.
إن جميع الولايات التي تحتضن هذه الفرق هي ولايات تقع على الساحل الشرقي للبلاد، ويمثل لاعبوهم النسبة الأكبر من لاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم. ويرى خمير أن “المنتخب الوطني لا يمثل سوى الجزء الشمالي من البلاد، فهناك عدد كبير من مشجعي كرة القدم في الأجزاء الجنوبية من البلاد لم تتح لهم الفرصة أبدًا لمشاهدة منتخب بلادهم من الملعب”.
وعلى الرغم من عدم تساوي حظوظ التونسيين في مشاهدة منتخب بلادهم من الملعب، إلا أن أغلب سكان البلاد سيسارعون إلى التلفاز لمشاهدة مبارياته، حتى إن كان ذلك من المقهى. ويمكن اعتبار منتخب النسور مؤسسة وطنية محبوبة من قبل المواطنين، ربما لأن القاعدة لشعبية لكرة القدم ديناميكية وملهمة بما يكفي لتوحيد الناس ذوي الهويات المختلفة والمتباينة وليس لأن الهوية الوطنية قوية بشكل خاص.
في الحقيقة، يلعب لصفوف المنتخب التونسي لاعبون لم يعيشوا في تونس قط، في حين انتقل آخرون للعيش في أوروبا والخليج بموجب عقود انتقالهم رفقة فرقهم الجديدة، لكن ذلك لم يمثل أي عقبة أمام الروح الإيجابية للفريق. وبالنسبة لعبده، يعتبر المنتخب الوطني “نموذجا جميلا للتلاحم والاندماج بين المغتربين، ما يجعل منه مثالا للانفتاح وجب على التونسيين الاستلهام منه”.
المصدر: موقع أوكاي أفريكا
This post was published on 2021-06-13 12:31