النظام يضحّي بأحد أخلص رجاله.. ما الذي يحدث بين بشار الأسد ورامي مخلوف؟

كريم البوعلي: صحفي تونسي

بعد إحكامه السيطرة على معظم مناطق سوريا، يحاول النظام السوري تحسين صورته الشعبية في المناطق الخاضعة لسيطرته وتبييضها لدى الخارج، بسبب العقوبات المسلطة عليه جراء الحرب التي شنها على المعارضين والمحتجين وتسببت وفق بعض التقارير الدولية في مقتل قرابة 400 ألف سوري ونزوح ملايين آخرين.

في السياق ذاته، يسعى النظام السوري لمجابهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها بسبب فقدان العملة الرسمية لقيمتها وتراكم الديون وتأثر القطاعات الاقتصادية الحيوية جراء الصراع، لتطفو على الساحة مؤخرا، قضية هزت أركان النظام بعد تصريحات أحد أبرز رؤوس الأموال السوريين وواحد من أكبر الداعمين الرئيسيين للنظام قبل وبعد الحرب الملياردير رامي مخلوف.

تصريحات مخلوف التي أثارت موجة من التحاليل والتعاليق داخل وخارج سوريا، أعادت للواجهة أحد رجال الظل البارزين في قطاع المال والأعمال المتحكمين في شركات قوية ومجموعات مسلحة وجمعية خيرية تعتبر واجهة لفساد مالي ودعم جلي للنظام في حربه التي يخوضها، وفق ما يرى ذلك مراقبون.

من هو رامي مخلوف؟

بزغ نجم رجل الأعمال رامي مخلوف منذ السنوات الأولى التي تلت تربع بشار الأسد على السلطة في سوريا وتقريبا منذ سنة 2000، حيث تمكن من إنشاء أقوى شركة اتصال خاصة في سوريا هي “سرياتل”، ليمتد نفوذه لقطاعات أخرى.

يقول تقرير لمنظمة “غلوبال ويتنس” في 2019، إن شركات رامي مخلوف تمثل 60% من اقتصاد سوريا، تمكن من بنائها بفضل تدخل مباشر من ابن عمته الرئيس بشار الأسد، وقد سبق لرئيس الحكومة السورية المنشق رياض حجاب أن كشف في تصريحات صحفية سابقة عن تدخلات مباشرة وأوامر واضحة من بشار الأسد لتمكين رامي مخلوف من عقود وصفقات بأقل من قيمتها الفعلية بشكل كبير مشددا على أنه مخلوف يعتبر اليد الاقتصادية الوحيدة للأسد.

تقول تقارير شركات رامي مخلوف تمثل 60% من اقتصاد سوريا

وقبل اندلاع الثورة السورية، انتبهت دوائر خارجية لنفوذ رامي مخلوف حيث أدرجته الولايات المتحدة سنة 2008 على قائمتها السوداء فيما تفطن الاتحاد الأوروبي مند 2011 للنفوذ الذي يملكه الرجل ليضعه ضمن قائمة الممنوعين من دخول التكتل أو العبور عبر أراضيه وتجميد كل أمواله وأرصدته الموجودة هناك ومازالت العقوبات سارية المفعول.

يشير تقرير صادر عن صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية، أن رامي مخلوف عارض الثورة السورية منذ بدايتها واعتبر المحتجين السلميين الذين خرجوا في بدايتها، مجموعة من المخرّبين، لكنه أُجبِر على التراجع خطوة للخلف والبقاء في كواليس السلطة ودعم الأجهزة الأمنية والحفاظ على شبكة الشركات التي يديرها رغم الحرب، بل وأسس جمعية البستان الخيرية وربطها بمجموعات مسلحة وصل عدد أفرادها لعشرين ألف عنصر لدعم النظام، الذي أمده أيضا بالمال لتغطية تكاليف الحرب ليحافظ بذلك على علاقات متينة مع بشار الأسد.

أسباب الخلاف بين الرجلين

بدأ الخلاف يدب بين الرجلين منذ العام 2019، فوفق تقديرات رسمية، خسر الاقتصاد السوري خلال سنوات الحرب، قرابة 420 مليار دولار لتتضرر بذلك كل القطاعات على حد سواء، كما تراجعت قيمة العملة، ما دفع النظام حينها، لإصلاح ما تدمّر وهو ما أدّى في نهاية المطاف لمد يده للقطاعات والشركات الرابحة والتي كان أهمها شركات رامي مخلوف الذي قال تقرير لمجلة “فوربس” في 2017 إن ثروته تقارب 30 مليار دولار جمعها طيلة 17 سنة كواجهة لأعمال عائلة الأسد التجارية.

في أواخر العام 2019، أصدر النظام السوري قرارات بتجميد أموال عدد من رجال الأعمال من بينهم رامي مخلوف ثم سيطر على جمعية البستان وحلّ جميع التشكيلات المسلحة المرتبطة بها ثم طالبت الهيئة المنظمة للاتصالات والبريد في سوريا رامي مخلوف بداية 2020 بدفع 334 مليون دولار ومنحته مهلة انتهت في 5 ماي الماضي، الأمر الذي لم يعجب “مخلوف”، ليخرج في مقطع فيديو أول متوجها لبشار الأسد، يزعم فيه أنه مستعد للدفع لكن شريطة أن يتم جدولة المبلغ، مضيفا أنه يعرف أن ما حدث كان بتوجيهات من الأسد شخصيا مبدئا بسبب ذلك امتعاضا واضحا مما حدث.

وبعد فترة قصيرة، عاود رامي مخلوف الخروج في فيديو جديد يحذّر فيه من المس بشركاته ويكشف عن حملة اعتقالات طالت موظفين ومديرين بها، متهما النظام بمحاولة عرقلتها وإفلاسها ومنع مساعدة الناس عبر جمعية البستان الخيرية ليدعو بشار الاسد مجددا للتدخل ومنع ما يحدث بأمر مباشر.

اعترف رامي مخلوف صراحة في الفيديو بتقديمه طيلة سنوات الحرب لدعم مالي لأجهزة الأمن والجيش التابعين للنظام لقمع الثورة وتحدث عن العلاقة الوثيقة بين الطرفين وهي ليست بالمفاجئة، لكن الغريب حسب ما يراه مراقبون هو تواجد مخلوف داخل سوريا وكشفه المستور عما يدور في كواليس النظام بشكل علني وهو ما تناقلته وسائل الإعلام الروسية بإطناب وخصصت له مساحات إعلامية واسعة.

النظام يصعّد ومخلوف يستغيث

لم يتوقف الصراع المفتوح الذي بدأه نظام الأسد على ذراعه الأيمن وقريبه رامي مخلوف عند هذا الحد، حيث شنت الأجهزة الأمنية بمعيّة الشرطة العسكرية الروسية حملة اعتقالات في كل من حمص ودمشق واللاذقية، شملت موظفين ومدراء في شركة “سرياتيل”، وموظفين في جمعية البستان الخيرية التابعة لمخلوف، التي تعنى بجرحى جيش النظام وتقدم مساعدات إنسانية لمتضرري الحرب الدائرة، بينما طالبت الشركة الناظمة للاتصالات في سوريا شركة “مخلوف” بدفع المبلغ المطلوب منها وهو ما رفضه الأخير، حين ظهر مجددا في مقطع فيديو ثالث يفسر فيه تبعات انهيار الشركة العملاقة التي تحرك قطاع الاتصالات وتحقق أرباحا كبيرة.

مخلوف نشر 3 فيديوهات لقت راواجا واسعا واهتماما إعلاميا كبيرا

إن شركة “سرياتيل” هي الشجرة التي تخفي غابة مصالح رامي مخلوف وتكشف الهدف من تجييشه ضد النظام، حيث تعد هذه المعركة الأولى بين الطرفين التي ستتلوها معارك أخرى لما له من شركات في قطاعات أخرى قد يفكر النظام المتخبط في أزمة اقتصادية غير مسبوقة من مد يده إليها نظرا للضائقة الكبرى التي تمر بها البلاد وأهلها.

ينتمي بشار الأسد ورامي مخلوف للطائفة العلوية والعائلة الحاكمة نفسها، ويقول محللون سوريون إن الصراع الحالي وتحذيرات مخلوف ليسا أكثر من محاولة منه للحفاظ على مكاسبه التي استمات في الدفاع عنها طيلة سنوات الحرب الأهلية السورية، فيما لا تشير إلى تغييرات كبرى في مراكز النفوذ التي دافع النظام السوري لتثبيتها عبر الآلة العسكرية والقوى الناعمة الشعبية والدينية الداعمة له.

كما يقلل كثيرون من قدرة مخلوف على إحداث شرخ في أسس النظام، بل إن فيديوهاته ليست أكثر من صرخة استغاثة، في وقت سيعيد فيه النظام ترتيب القوى الداعمة له وتدوير مصالح المؤيدين وفق ما يضمن ديمومة بقائه في منصبه، وهو الأمر الذي بدأت فيه زوجته أسماء الأسد التي تولت رسميا ملف جرحى جيش النظام الذي سحب من مخلوف بعد اندلاع الصراع، الذي قد تكون له فصول أخرى لما يمتلكه رجل الأعمال من مال وأعمال وشبكة إدارات سيسعى النظام لتفكيكها تباعا .

Adv

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى