هل سألت نفسك ذات مرة عن أفضل لاعبي كرة القدم التونسيين الذين تركوا بصمة خارج ملاعبنا المحلية عبر التاريخ؟ قطعا هو سؤال سيطرق أذهان البعض ليتحول بذلك إلى مثار جدل ونقاشات مطولة بين الجماهير الرياضية العريضة، فكل متابع منا سيبني اختياراته وفق منظوره الخاص ومن واقع أهوائه الفردية التي تتغلب العاطفة فيها دائما على أحكام العقل والمنطق.
ورغم تباين مسيرة المحترفين التونسيين بين نجاحات مدوية وإخفاقات كثيرة، فإن عددا لا يستهان منهم تمكن من فرض نفسه في دوريات الأضواء. وقد يتبادر إلى ذهنك هذا السؤال أكثر فأكثر في ظل ما يشهده الدوري التونسي من تراجع في قيمة أسهمه كواحد من البطولات العربية والأفريقية القادرة على تصدير مواهب بإمكانها أن تعرف النجاح في مشوار الاحتراف خارج الديار.
في هذا التقرير، سنحاول رصد أبرز 10 أسماء لامعة عبرت بوابة الملاعب المحلية لتحترف كرة القدم في دوريات أجنبية خاصة منها الأوروبية، وسيعتمد على نجاحاتهم الفردية والجماعية مقياسا لتصنيفهم.
من أوائل اللاعبين التونسيين الذين دخلوا عالم الاحتراف من أوسع أبوابه، بن ناصف نبغ بين أقرانه وتميز عنهم لما امتلكه من إمكانيات فنية وخصائص بدنية خولت له الالتحاق بصفوف فريقه الأم النادي الرياضي البنزرتي منذ أن كان شابا يافعا، تحصل معه على بطولتين متتاليتين بين سنتي 1944 و1947، قبل أن يحط الرحال في البطولة الفرنسية ليرسم معالم مسيرة ناجحة مع فريق نيس على امتداد أكثر من 10 مواسم، كما أنه أول لاعب تونسي يتحصل على لقب في فرنسا سنة 1954 بعد فوز ناديه بالكأس المحلية على حساب أولمبيك مرسيليا.
ما يلفت الانتباه أيضا، أن بن ناصف كان صاحب الكلمة الحاسمة في هذه المباراة من خلال تسجيله هدف الانتصار وتنفيذه إنقاذا أسطوريا في اللحظات الأخيرة على مشارف الخط النهائي للمرمى عبر ازدواجية ستبقى راسخة في الأذهان.
فهد كرة القدم التونسية وأحد أبرز المحترفين عبر تاريخها إن لم يكن أفضلهم على الإطلاق حسب اعتقاد الكثيرين، مسيرة حافلة من التتويجات الجماعية والإنجازات الفردية بدأت فصولها الأولى في صفوف النادي الرياضي الصفاقسي أين تدرّج عبر جميع أصناف الشبان، قبل الالتحاق بصنف الأكابر والظفر بلقب كأس الاتحاد الأفريقي عام 1998.
الطرابلسي عرف منعرجا حاسما في مشواره الكروي سنة 2001 حينما انتقل إلى فريق أجاكس أمستردام الهولندي في صفقة قياسية ناهزت 3 مليون دولار، كانت وقتها الأغلى في تاريخ الكرة التونسية، فاز خلال سنواته الخمس التي قضاها في هولندا بـ 4 ألقاب مناصفة بين البطولة والكأس، وتم اختياره في القائمة الأولية للكرة الذهبية سنة 2003، والتشكيلة المثالية لكأس رابطة الأبطال الأوروبية لنفس العام، قبل أن يختم مسيرته بلعب موسم يتيم في فريق مانشستر سيتي الإنجليزي ويسجل معه واحدا من أجمل أهدافه في مرمى الغريم مانشستر يونايتد والأسطورة الهولندية إيدوين فاندر سار.
“لاعب بمواصفات عالمية رغم صغر سنه”.. هكذا تحدث الداهية الفرنسي روجي لومار بشأن الأسباب التي دفعته إلى التعويل على كريم حقي وسط كوكبة النجوم التي عجت بها تشكيلة نسور قرطاج في كان 2004، المدافع الشاب لم يتجاوز حينها عمر 19 سنة، لكنه كان من بين الأسماء التي صنعت ربيع الكرة التونسية وساهم بشكل فعال في الفوز باللقب القاري الوحيد لتونس.
تألق حقي فتح أمامه أبواب الاحتراف لينطلق في رحلة مر خلالها بفرق سترازبورغ الفرنسي وليفركوزن وهانوفر وشتوتغارت وفورتونا ديسلدورف في ألمانيا، قبل أن يبلغ خط النهاية مع فريق سان غالين السويسري.
حقي لم يكن ذلك المدافع الكلاسيكي الذي لا يعرف سوى الاكتفاء بواجباته أمام مرمى فريقه، بل تميز أيضا بحسه التهديفي الذي مكنه من تسجيل 21 هدفا على امتداد 15 سنة في ملاعب القارة العجوز.
أحد أبرز لاعبي المنتخب التونسي والنجم الساحلي على مر التاريخ وأفضل من حمل رقم 7 بالكرة التونسية في السنوات الأخيرة، من منا لا يتذكر كيف تغنت الجماهير به قائلة: “زبير بية 7 الحية”.. امتد مشواره الاحترافي في أوروبا بين سنتي 1997 و2002، عرف خلاله نجاحا في البوندسليغا مع فريق فرايبورغ ليكون أول لاعب عربي يحمل شارة القيادة مع ناد ألماني في الدوري الممتاز، وكانت له تجربة متميزة مع فريق بيشكتاس التركي خاض خلالها 28 لقاء.
أول تونسي اقتحم حصون الدوري الإنجليزي الممتاز لاعبا ومدربا، بعد سنوات طويلة عرف فيها طعم التتويجات المحلية والقارية مع الترجي الرياضي التونسي والمنتخب الوطني، وهو ما أهله ليكون محط أنظار فريق بولتون وقتها ليقوم بانتدابه سنة 2004، ويخوض معه 43 مباراة رسمية سجل فيها 8 أهداف.
مسيرة الجعايدي في إنجلترا بلغت ذروتها في الفترة الممتدة بين 2006 و2009 حين لعب في صفوف برمنغهام سيتي مسجلا 7 أهداف في 86 مباراة، قبل أن ينتقل سنة 2009 لنادي ساوثهامبتون حتى نهاية مسيرته في 2012.
نجاح الجعايدي لم يقتصر على اللعب داخل المستطيل الأخضر بل شمل أيضا مجال التدريب، فكان أول مدرب عربي يصعد على منصة التتويج في تاريخ الملاعب الإنجليزية بعد أن قاد فريق ساوثهامبتون (أقل من 21 سنة) للفوز بكأس إنجلترا.
لن يخطر ببال الكثيرين أن عادل السليمي، الذي عرف أوج تألقه مع النادي الإفريقي، قد خاض بدوره تجربة احترافية ناجحة إلى حد كبير في الملاعب الأوروبية، فظهوره اللافت في نهائيات كأس الأمم الأفريقية سنة 1996 سمح له بالانتقال للدوري الفرنسي واللعب مع فريق نانت، قبل أن يكتب اسمه بأحرف ذهبية مع فريق ريال خيخون الإسباني من خلال تسجيله 39 هدفا في 47 مباراة، وهو ما مكنه من الانتقال للدوري الألماني واللعب في صفوف فريق فرايبورغ أين خاض 108 لقاء مسجلا 27 هدفا.
لحظات ستبقى خالدة في الوجدان تلك التي كان بطلها اللاعب جوهر المناري، بين هدف الترشح للمربع الذهبي من كان 2004 في قمة الضباب ضد أسود التيرنغا (السينغال)، أو هدفه التاريخي أمام المنتخب الإسباني في نهائيات كأس العالم 2006، عرف المناري تجربة احترافية لافتة ومتميزة في ألمانيا مع فريق نورنبرغ لمدة خمسة مواسم توج خلالها سنة 2007 بلقب كأس ألمانيا أمام فريق شتوتغارت، كما تم اختياره كأفضل متوسط ميدان دفاعي بالبطولة الألمانية في ذهاب موسم 2006-2007، وضمن التشكيلة المثالية لأحسن لاعبي البوندسليغا متفوقا على نجوم كبار أمثال شفانشتيغر وفرينجز.
تذبذب مسيرته بين صعود ونزول لم يمنع المدافع التونسي أيمن عبد النور من الحضور بقوة في هذه القائمة، ابن النجم الساحلي الذي يعد صاحب أغلى صفقة في تاريخ كرة القدم التونسية بقيمة 32 مليون دولار، عرف النجاج الكبير في تجاربه الفرنسية مع تولوز وخاصة في موناكو أين بصم على مشاركة متميزة في رابطة الأبطال الأوروبية سنة 2014، بينما لم يكن مشواره بتلك السهولة مع فيردر بريمن وفالنسيا أو مرسيليا في الآونة الأخيرة، في وقت يبحث فيه عبد النور حاليا عن ذاته مجددا عبر تجربة في البطولة التركية ضمن فريق قيصري سبور، يسعى من خلالها إلى استعادة بريق التألق والنجاحات.
سيختلف بعض المتابعين في وضعه بهذه القائمة، لكن أرقام الهداف التاريخي للمنتخب التونسي غير قابلة للمنافسة، ويبدو أنها ستظل كذلك إلى وقت بعيد، عصام جمعة حط الرحال في عدد من النوادي الفرنسية تاركا أثرا لا يستهان به، فهو من سجل 50 هدفا مع فريق لانس في 120 مباراة، كما كانت له تجارب أخرى مع كان وأوكسير وبريست، إضافة إلى محطات مختلفة في البطولات الخليجية بين الكويت والإمارات.
يمكن أن تنتاب كثيرين حالة من الاستغراب في وهلة أولى بخصوص مدى أحقية الحرباوي في الحضور بقوة في لائحة تعج بالنجوم والأسماء الرنانة، لكن المتأمل في تجربته ببلجيكا سيعرف جيدا أنه من أفضل اللاعبين الذين احترفوا بأوروبا، تدرج الحرباوي منذ أن قرر الاحتراف سنة 2007 بين مختلف الأقسام في البطولة البلجيكية، وتوج بلقب هداف القسم الثالث ثم الثاني، فالدوري المحترف لموسمين متتاليين بين سنتي 2017 و2019، وبلغ رقما قياسيا من الأهداف في البطولة لم يصل إليه أي لاعب تونسي قبله في موسم واحد برصيد 25 هدفا، بل هو أكثر هداف تونسي خارج المسابقات المحلية بتسجيله ما يقرب من 160 هدفا.
This post was published on 2020-05-18 15:57