(خاص-سوسن برينيس-ميلانو) كيف دخل فيروس كورونا إلى إيطاليا؟ هل أخطأت الحكومة الإيطالية برفضها وقف الرحلات القادمة من الصين في أوج تمدد الوباء في البلد الآسيوي؟ ثم هل تسبب تردد الحكومة وتأجيلها إغلاق منطقة “بيرغامو” من إقليم “لومبارديا” لأهميتها الصناعية في تحويلها إلى أكبر بؤرة للمرض في العالم بعد ووهان الصينية؟
أسئلة كثيرة مازالت بلا أجوبة في قلب عاصفة الكورونا التي تضرب إيطاليا بلا هوادة منذ ما يزيد عن شهر، لا صوت هنا يعلو فوق صوت تعداد الأرقام المخيفة للضحايا والمصابين بالعدوى، بانتظار بارقة أمل اختزلت في رؤية المنحنى التصاعدي للعدوى يبلغ أوجه ثم يبدأ بالنزول.
ما نعلمه حد اللحظة أن مستشفى بلدة صغيرة وادعة تسمى “كودونيو” تتبع مدينة “لودي” من إقليم “لومبارديا” الشمالي سجل يوم 20 فيفري الفارط أول حالة عدوى في إيطاليا أو من اصطلح على تسميته “المريض 1″، بعد أن وصل في حالة التهاب حاد في الرئتين وقصور في وظائف التنفس. تعامل الإطار الطبي مع الحالة بلا احتياطات في البداية جعل من المستشفى نفسه بؤرة للعدوى بالفيروس للأطباء والممرضين وحتى المرضى. ما دفع الحكومة بعد يومين إلى إعلان “كودونيو” وتسع بلدات محيطة بها منطقة حمراء يمنع الدخول إليها والخروج منها، وإغلاق كل المدارس والجامعات في إقليم لومبارديا بهدف محاصرة العدوى.
إلا أن ما حصل هو اشتعال بؤرة أخرى في البلدات المحيطة بمدينة “بيرغامو” من نفس إقليم “لومبارديا” بإعلان أول وفاة بالكورونا في بلدة “نيمبرو” في الـ 25 من فيفري، دون التوصل إلى الخيط الرابط بين بؤرتي العدوى أو الجزم أصلا بأنهما مترابطتان. خلية الأزمة المكلفة بالتحقيق في كيفية تفشي الفيروس رجحت فيما بعد أن مقابلة ثمن نهائي رابطة الأبطال الأوروبية بين “أطلنطا” فريق بيرغامو وبين “فالنسيا” الاسباني في الـ 19 من فيفري في ملعب “سانسيرو” الشهير بميلانو كانت هي السبب في تفشي العدوى في مدينة بيرغامو وأحوازها، إذ حضر المقابلة أكثر من 45 ألف مشجع من بيرغامو و2500 مشجع إسباني قدموا من فالنسيا، نفس المدينة الأسبانية التي شهدت حالة وفاة بالكورونا في الـ 13 من فيفري.
طلب حكومة إقليم “لومبارديا” بإعلان محيط “بيرغامو” منطقة حمراء ثانية لم يجد استجابة من الحكومة المركزية في روما، إذ تحتوي هذه المنطقة على 400 مؤسسة صناعية تشغل 3700 عاملا برقم تعاملات سنوي يفوق 680 مليون يورو، واي إغلاق للمنطقة سيقطع خطوط الإنتاج والتوزيع ويعيق وصول العمال. ما جعل الاتهامات باعلاء المصالح الاقتصادية على صحة وحياة الناس تطارد حكومة جوزابي كونتي. إلا أن تصاعد أعداد الضحايا والمصابين بالعدوى دفع الحكومة إلى تبني حل وسط ليلة الثامن من مارس الجاري: جعل كل الشمال منطقة برتقالية يمنع الخروج منه والدخول إليه لكن يسمح بالتحرك داخله.
ورغم مسارعة الآلاف من أصيلي الوسط والجنوب الإيطالي من طلبة وعمال وموظفين بمغادرة مدن الشمال قبل إغلاقها، إلا أن الأمر لم يستغرق سوى يومين قبل إعلان الحجر الصحي في كامل التراب الإيطالي بعد أن أوقفت أغلب دول العالم رحلاتها الجوية ثم البحرية من وإلى إيطاليا وتركتها في عزلة تامة عن العالم، بعد أن تجاوزت العدوى 6 آلاف شخص وفاق عدد الضحايا الألف.
هذا التصاعد المخيف في تفشي الفيروس وضع النظام الصحي الإيطالي في موضع الاختبار، ورغم كونه من أفضل الأنظمة الصحية العمومية في أوروبا إلا أن بلوغ العدوى قرابة الـ 70 ألف شخص مع تجاوز عدد الضحايا حاليا ال6 آلاف وهو الأعلى عالميا، وضع المستشفيات في الشمال الإيطالي في شبه حالة انهيار، ما اضطر السلطات إلى الاستعانة بالجيش لإقامة مستشفيات ميدانية بطاقة استيعاب كبيرة وفي وقت قياسي، كما تسابق السلطات الزمن لإرساء أقسام إنعاش جديدة تستوعب الحاجة الملحة لإنقاذ مرضى الكورونا. كل هذا لم يمنع من تعالي أصوات منددة بالاقتطاع من ميزانية وزارة الصحة في العقد الأخير.
لماذا هذه الأعداد الكبيرة من الموتى التي تجاوزت حتى الصين؟ سؤال يطرحه الكثيرون لكن إجابته الأرجح هي أهمية نسبة المسنين في المجتمع الإيطالي عموما وفي الشمال خاصة حيث أن إقليم لومبارديا المنكوب يحتوي 10 ملايين ساكنا، يفوق فيهم عدد المسنين الذين تجاوزوا الـ 65 من العمر 2،8 مليون شخص، وهم الضحية المفضلة لفيروس كورونا الذي تكمن خطورة الإصابة به خاصة لدى أصحاب المناعة الضعيفة.
الجانب المشرق من الأزمة الحالية هو الشعور بالتضامن والوحدة بين الإيطاليين والعرفان بالجميل لتضحيات الإطار الطبي الذي قدم أكثر من 29 ضحية حد اللحظة. لكن غيوم الأزمة الاقتصادية القادمة بدأت تكفهر وعاصفة الغضب والمحاسبة لكل التعاطي الحكومي مع الأزمة منذ بداياتها آتية لا ريب فيها.
This post was published on 2020-03-25 16:40